حمد العماري 

طيران الخليج، الرحلة رقم ,911 المتجّهة من البحرين إلى بيروت..تقترب الطائرة من الأجواء اللبنانيّة وتباشر هبوطها نحو مطار رفيق الحريري الدولي، لا يفوتك أن تراقب جبال لبنان الشامخة، تكسو قممها الثلوج، وتكسو منحدراتها الأشجار والغابات، لتعانق سفوحها على الساحل شواطئ زرقاء، تتخبطّ فيها أمواج البحر.. فلا يمكن إلاّ أن يلحظ المسافر على متن الطائرات سحر هذا البلد، وطبيعته الخلاّبة، التي خصّه بها الخالق.  هذا البلد الصغير بحجمه الكبير بشعبه، يملأ العالم ويشغله! فيحزن عندما تتخبّط فيه المشاكل الداخليّة وما أكثرها! ويفرح عندما تهدأ الأوضاع ويحلّ السلام، فيعود العرب ليتسابقوا على زيارته، والحلول ضيوفاً في فنادقه الفخمة ومطاعمه الراقية.

  وأنت في مقعدك تنسى ما عانى هذا البلد الجميل من أوجاع وخلافات وتناقضات، وترى من علو وسط بيروت، الذي أعيد إعماره وصخرة الروشة باسقة وسط البحر.  في هذه اللحظات، وأنت في شوق لتلامس عجلات الطائرة أرض مطار رفيق الحريري الدولي”، تسمع صوت مضيف طيران الخليج يهنئّ المسافرين بالسلامة، ويرّحب بهم في ”مطار بيروت الدولي”، وكأنّه يقصد أن يذكّرك بالصراع السياسي بين الفرقاء اللبنانيين، إذ يأبى طيران الخليج البحريني إلاّ وأن يكون طرفاّ فيه. عندما سمعت هذا النداء لأولّ مرّة، وأنا المسافر الدائم بين البحرين وبيروت، ظننت أنّه خطأ أو سهوٌ من المضيف، لذلك نبّهته عند خروجي من الطائرة على أن اسم المطار ذُكر خطأً، فشكرني ووعد أنّه سيحرص على تصحيح الخطأ في الرحلات القادمة. مرّت الأيام وتعدّدت الرحلات، لكنّ الخطأ لم يُصحّح! حتّى إنّه في إحدى الرحلات قام أحد الركّاب اللبنانيّين بنهر المضيف بشدّة، وقال: ”يا أخي هذا اسمه مطار رفيق الحريري”!، فوافقه البعض وعارضه آخرون، ثمّ تبادل الركاب النقاش وازدادت حدّته وارتفعت الأصوات بين مؤيّد ومعارض.  للسخرية؛ لم يدخل المضيف المغلوب على أمره طرفاً في النقاش، ربّما خوفاً من أن ينقلب النقاش إلى عراك، أو خوفاً من توجيه أصابع الاتهام إليه، إذ كان لبنان آنذاك يمرّ في مخاض انتخابات نيابيّة جديدة، والتوتّر السياسي في أوجّه، فتدخلت لفض النقاش، شعر الأخوة اللبنانيون حينها بخجل، وكأنّهم كانوا على وشك نشر ”غسيلهم” أمام الغريب! وربّما أثّرت فيهم كلماتي، وأشعلت الوطنيّة وحبّ لبنان في قلوبهم، فشعروا للحظة بانتمائهم لبلد واحد يجمع بينهم، في حين فشل قادتهم من جمعهم وأغلق الموضوع. مرّة أخرى؛ قلت للمضيف وأنا أخرج من الطائرة أن اسم المطار الرسمي هو ”مطار رفيق الحريري الدولي”، وأوضحت له أن هذه التسميّة يجب اتباعها، رغم أنّها لا تروق لبعض اللبنانيين، وإنّ التسميّة ليست من شأنهم كطيران رسمي بحريني! قال: كنّا نستخدم التسميّة الصحيحة لكنّها أغضبت إحدى الطوائف اللبنانية، وخوفاً من حساسية الموقف قرّرت الإدارة استخدام الاسم القديم، فأجبته: أن كثيراً من اليساريين الفرنسيين لا يحبّذون إطلاق اسم ”شارل ديغول” على مطار باريس الرسمي، لكن لم يتوقّف أي طيران ومن ضمنها طيران الخليج عن تسمية المطار باسم شارل ديغول!  وهل يحقّ لي كوني لست معجباً بالرئيس الأمريكي رونالد ريجان أن أغيّر مسمّى مطار واشنطن؟ أو هل نقبل أن يسمَّى ”مطار الملك خالد” باسم مطار الرياض فقط؟ فلماذا نقلّل من قيمة بلد كلبنان، ولا نعترف بالمسمّى الرسمي والدولي لمطاره وهو ”مطار رفيق الحريري الدولي”، الذي أطلقته عليه حكومة منتخبة وشرعية واعترف به المجتمع الدولي والعالمي؟ أمّا طيران الخليج فهو الناقل الرسمي لمملكة البحرين، وتملكه الحكومة، التي تحاول دوماً أن تقيم وتحافظ على علاقات طيّبة وأخوية مع الدول العربيّة كافّة ومنها الجمهوريّة اللبنانيّة، ثمّ إن طيران الخليج هو شركة نقل للمسافرين وليست حزباً سياسيّاً، وبالتالي فلا يجب أن يكون لها موقف سياسي مثل هذا، فما التالي؟ هل يغيّر مسمّى الخليج العربي” استرضاء للجيران؟ أو يحاول طيران الخليج رسم الحدود بين الدولتين الشقيقتين دولة الإمارات والمملكة العربيّة السعودية على سبيل المثال؟  كما إنني متأكد أن الإدارة العليا في طيران الخليج، وعلى رأسهم المدير التنفيذي السيد سامر المجالي لا تعلم ولا ترضى أن يزج بشركتهم في نزاع سياسي نحن في غنى عنه. جرى هذا النقاش منذ حوالي السنة، ولا زال بعض العاملين في طيران الخليج يصر أن يكون طرفاً في صراعٍ سياسي حسم منذ زمن، رغم أنّ الفرقاء السياسيّين اللبنانيين اتّفقوا على هذه التسمية.  كما أنّ سيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري يشهد لها حتى ألد أعدائه، وإن اختلفوا معه سياسياً، والغريب أنّ طيران الخليج البحريني بقي مقاطعاً اسمه ورافضاً المسمى الرسمي والدولي للمطار وكأنه ملك لأحد الأطراف في لبنان!  ربما يوجد في طيران الخليج أشخاص ينون تلقين الشعب اللبنانيّ درساً في الوطنية، وربما يظن هؤلاء أن من يضحون بأرواحهم فداءً للبنان لا يستحقون أن ذكر اسمهم! ويصر البعض في طيران الخليج البحريني أن لا يعترف بإرادة أغلبية الشعب اللبناني، الذي أحب الرئيس الشهيد الحريري، وبعد استشهاده خرج بالملايين في ثورة الأرز يوم الرابع عشر من آذار .2006 يبدو أن في طيران الخليج البحريني من يريد أن يقف في وجه كل لبناني أحب الحريري، وكل فقير أعانه، أو طالب من آلاف الطلبة الذين علمهم من مختلف الطوائف،  يريد البعض في طيران الخليج أن يقف شاهد زور لمن يحاول تزوير التاريخ الذي عشناه نحن بالأمس القريب، نحن من كنا هناك في لبنان وعن قرب، رأينا الخراب يعاد بنائه والبلد ينهض بسواعد أبنائه. نعم لم يتفق الجميع مع الرئيس الشهيد الحريري، ولم يكن هو ملاكاً، لكن يتفق جميع اللبنانيون على إنجازه، وأنه سيظل رجل دولة وزعيم وطني كبير ومَعلم من معالم لبنان وليس لطائفة معيّنة.  أطلقوا اسمه على مطار بيروت الدولي الذي أعاد إعماره بنفسه، وسمته الحكومة اللبنانية الشرعية باسم مطار رفيق الحريري، في حين اعترف العالم أجمع بهذا الاسم.. أبى طيران الخليج البحريني الاعتراف به.  

الأمين العام المساعد لمؤسسة الفكر العربي