" قصّة حياة "كيس بلاستيك" خرج من جوف الأرض، من آبار النفط والغاز الطبيعي، ليتحوّل منه إلى أكياس بلاستيكيّة، تُباع بأبخس الأثمان في معظم المحلات التجارية، ليعيش حياة بسيطة وقصيرة في يد المستهلك، وينتهي هائماً في الشوارع، تتقاذفه الرياح من جهّة إلى أخرى، أويتنهي في مكبّات النفايات حيث يبقى آلاف السنين من دون أن يتحلّل….
هذه هي باختصار قصّة حياة كيس البلاستيك… فكّرت في مصير هذه الأكياس التي سوف تعيش من بعدي لسنوات عديدة- نظراً لصعوبة تحلّلها- ، بعد استعمالي الوجيز لها، عندما ذهبت في أحد أيام الأسبوع الفائت لشراء بعض الحاجيات من أحد أسواق المواد الغذائية في مدينة القاهرة، وهو سوق حديث على شاكلة "السوبرماركت" الأمريكيّة؛ بعد أن انتقيت بعض الحاجيات، توجّهت إلى الصندوق للمحاسبة ودفع قيمة المشتريات. أخذ المحاسب بتمرير الأغراض على جهاز "سكانر"، ومنها إلى العامل الواقف بجانبه الذي يستخدم أكياساً صفراء من البلاستيك ليضع فيها حاجيات المستهلكين. كانت الحاجيات التي اشتريتها قليلة العدد ولكنّها متنوّعة؛ من المواد الغذائية ومياه الشرب، إلى الشامبو وغيره من الحاجيات الشخصيّة. ويبدو أنّ اهتمام العامل بي – وبكرم أهل مصر المعهود – حرص على فرز هذه الحاجيات بحسب اختلاف أنواعها واستخداماتها، فوضع في كلّ كيس على حدة، ما لا يزيد عن حاجة أو اثنتين على الأكثر، لأنتهي بحوالي ثمانية أكياس شبه فارغة!حملت هذه الأكياس وتوجّهت بها إلى غرفتي في الفندق، وبدأت بإفراغ المحتويات لدى وصولي؛ وبعد أن انتهيت، تنبّهت إلى كميّة الأكياس التي استعملتها، وكنت على وشك أن أرميَها في كيس آخر للنفايات، بالرغم من أنّني لم أستخدمها لفترة تزيد على عشر دقائقَ فقط!!! وهذه الأكياس هي إحدى المنتجات البتروكيميائيّة المشتقّة من النفط والتي تميّزت بصناعتها بلدنا التي منّ الله عليها بالكثير منه وأصبحت تصنّع في المملكة وتصدّر إلى الخارج.. وهذا الكرم في استعمال الأكياس البلاستيكية ليس مقتصراً على القاهرة، ولكنّه أيضاً منتشر في الرياض كما في باقي المدن السعودية والعربية. فالعامل في أي من الأسواق التجارية المماثلة لا يتردّد في المبالغة في استعمال هذه الأكياس البلاستيكية نظراً لرخص ثمنها وسهولة استعمالها.لكن قلّة من الناس تعي خطورة هذه الأكياس البلاستيكية على البيئة. فبمجرّد استعمالها تُرمى في صناديق النفايات لتنتهي في مدافن النفايات وتبقى هناك لمئات السنين دون تحلّل. كما نجد الكثير من هذه الأكياس البلاستيكية منتشرة في كل مكان، على شواطئ البحر، في المنتزهات العامّة، على جوانب الطرقات، في وسط الصحراء وحتّى على قمم جبال عسير. تتناقلها الرياح من مكانٍ إلى آخر، حتى أضحت تشوّه جمال الصحراء الطبيعي ويجدها الغصاسين في أعماق البحر. وقد قرأت إحدى الدراسات التي تقول أن جمع وإعادة تدوير هذه الأكياس تكلّف أربعة آلاف دولار للطن الواحد. بينما إنّ سعر بيعها بعد تجميعها لا يتعدّى 36 دولاراً؛ أي أنّه لا فائدة اقتصادية لإعادة تدويرها، كما هو الحال بالنسبة لعلب الألمنيوم أو أوراق الكرتون التي أصبح تدويرها مدرا للأرباح. وقد منع استعمال هذه الأكياس البلاستيكية في أغلب الدول الأوروبية، وفي كثير من المدن الأميريكية الكبرى على سبيل المثال مدينة سان فرانسيسكو. فعندما تقوم بالتسوّق في إحدى متاجر الغذاء الأوروبية، فهم يتوقّعون أن يكون لديك حقيبة مصنعة من القماش تضع فيها مشترياتك، أو أن تقوم بشراء كيسٍ من الورق المقوّى المعاد إستعماله، الذي يمكن إعادة وتدويره. أمّا الأكياس البلاستيكية التي تستخدم للفواكه والخضروات، فهي من النوع الذي يتحلّل مع الوقت (Bio-degradable). …وقد حان الوقت أن تتّخذ الهيئة العامة للأرصاد والبيئة موقفاً من هذا العدو اللدود للبيئة الذي أصبح مننتشراً بشكل كثيف في شوارعنا وشواطئنا، وملأ مكبات النفايات، فأصبح منظرهم الغير حضاري منتشراً في كل مكان. كما أتمنّى من الشركات المصنّعة أن تأخذ بزمام المبادرة وتُحوّل صناعاتها إلى الأكياس البلاستيكيّة التي تتحلّل بفعل الزمن وألاّ ينتظروا استصدار القوانين التي تمنع تصنيعها. إنّ الوعي بالضرر البيئي الذي تحدثه هذه الأكياس في بيئتنا الطبيعية، بالإستخدام السيّئ والمُبالغ فيه في استعمال هذه الأكياس ضرورةٌ يجب أن يتمّ تدريسنا لأطفالنا في المدارس ولنا نحن الكبار في المساجد! أوليست النظافة واحترام البيئة من الإيمان؟ يجب على الجميع أن يعيَ خطورة هذه الأكياس التي نستعملها ونرميها بشكل يومي من دون وعي أو حسبان لأضرارها على البيئة.