هبّ الهبوب

حققت صحيفة الوطن السعودية السبق في نشر قصيدة الأمير الشاعر خالد الفيصل "الهبوب"، مع صورة معبّرة لشخصٍ عربي يُناضل وسْط عاصفةٍ ترابيّة،وهي ما يعرف في "نجد" بالهبوب.وما إن نُشرت قصيدة "الهبوب"، حتّى هبّت معها من جهة، عاصفةُ تأييدٍ من قبل صحاب الرؤية الواقعية َممن يعون ويُدركون ما يُحاك للأمّة العربية ومن قبل مَن فهموا مغزى القصيدة وفحواها فيما انطلقت من جهّة أخرى، حملة مركزة من قبل مَن يطلقون على أنفسهم لقب "ليبراليّين"، وكأن الليبرالية صفة تشترى من سوق الأوصاف والمعاني، من دون أن تكون ذات دلالات واقعية وفعلية على الأرض، وهذه حال دعاة التغيير عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومغرّدي "التويتر"، ممّن انجرفوا مع موجة ما سمّي "الربيع العربي"، ضدّ هذه القصيدة ووجهة النظر التي تضمّنتها، وضدّ كاتبها ومقامه.

  ولا عجب أن تُغضِب القصيدة بعضَ مَن امتَهَنَوا الثورات من أمام شاشات الكمبيوتر، بعدما أغراهم التغيير واعتقدوا أنهم أبطاله. لكنّ من يقرأ أبيات هذه القصيدة كاملةً، وبتمعّن وتعقّل، يُدرك ابعاد ما تتضمنه من حكمة ودعوة إلى التروّي وعدم التسرّع والانجرار خلف الشعارات الرنّانة، ومن دون حتّى إدراك مآلها، خصوصاً بعدما رأينا بأعيننا، ولم نزل، ما حدث وما يحدث في البلدان العربية التي حط "الربيع العربي " فيها رحاله ، والتي همّشت القضيّة العربيّة الكبرى وهي احتلال فلسطين وأنستها إيّاها كما قال:

والقضية صارت حنا                 ونسّونا الفلسطينية
وشكّكونا في أنفسنا        
          بالغزوات الثقافية
وكذبونا وصدقناهم                   بالفنون الإعلامية

فالأمير خالد الفيصل يحذّر في قصيدته من الاندفاع باتجاه فخّ العنصريّة والتعصّب والطائفية والمذهبيّة، التي يسعى الكثيرون إلى نشر سمومها في جسد أوطاننا وأبنائنا.

واتهمونا بالتخلف                      والرجعية والهمجية
وأشعلوها طائفية                      وعنصرية وقبلية
وشجعوا التغريب الفكري                 ولمّعوا رموز التبعية
وطارت عربانك في العجة               تهتف حرية حرية

هو يدافع بكلّ بساطة عن تعاليمنا الإسلاميّة وديانتنا القائمة على التسامح، والتي يسعى بعض الغرب إلى تشويهها وتعييرها بأنّها دين الإرهاب، تحت شعار "الديمقراطيّة"، متناسين أنّ تعاليم ديننا هي أساس ومنبع الأمن والعدل والإنسانيّة. وبالطبع فإنه يشير الى فرادة كلّ مجتمع و خصوصيّته، بحيث لا يمكن استيراد الأفكار والقواعد والعادات والنظريات من مجتمعات أخرى لتطبيقها في مجتمعاتنا. فما ينطبق على الآخرين قد لا ينطبق علينا، وبالعكس.

غايتها دولة مدنية                   علمانية لا دينية
إلا الدولة الصهيونية
                لازم تبقى يهودية

أما الدولة الإسلامية                هذي دولة إرهابية

الدستور كتاب الخالق               والمنهج سنة نبوية
وعلينا نثبت للعالم                  أن رسالتنا أبدية

إبراهيم وموسى وعيسى              ومحمد رسل البشرية
علمونا أن السلطة                  أمن وعدل وإنسانية

فأيّ ديمقراطيّة أو حريّة تأتينا معلّبةً من بعض منظري السياسة والفكر في الغرب، وتفرض علينا أفكارا ليست من فكرنا، وثقافةً ليست منّا؟ أيّ ديمقراطيّة هذه التي أخرجت الطائفية من القمقم، وقسّمت الدول إلى دويلات، أو تعمل في هذا السبيل؟.

الأمير خالد الفيصل يدعو للشورى كما جاء في القرآن والسنّة، ويحضّ علماء الدين على مواكبة العصر والتصدّي للمؤامرة التي تُحاك باسم الدين، وعلى عدم تكفير الآخر والتنّبه للفتنة الدينية التي يستفيد منها أعداء الأمّة. فهو من أبرز الداعمين للتطوير والتقدّم، ويعي تماماً معنى وأهميّة تطوير مجتمعاتنا للنهوض بها والتقدّم إلى الأمام. ويبدو أن توقعاته وحسن قراءته للمستقبل العربي سبقت ما سمّي بالربيع العربي بسنوات، بعدما كان قد دعا إلى تطوير العمل العربي ومواجهة الغزو الفكري والثقافي الذي يواجه الأمّة العربيّة. وأعود هنا بالذاكرة، إلى الكلمة الافتتاحية التي ألقاها 2004، عندما قال : "إن لم نغيّر بأنفسنا، سيأتي يومٌ يُفرض فيه علينا التغيير من الخارج". ولعلّ ما نبّه إليه حينها هو ما يُترجَم اليوم على الساحة العربيّة، وما أُطلق عليه اسم "الربيع العربي".

لا يحتاج خالد الفيصل لمن يدافع عنه أو يؤيّد آراءه. فهو قامة ومنارة ثقافيّة وفكريّة لا تهزّها هبّات الرياح ولو كانت عاتيةً، ولا النقد ولو كان جارحاً. لقد حمل خالد الفيصل راية الاعتدال، راية نبي الله محمد صلى الله عليه وسلّم، وحارب المتطرّفين لسنوات، وهو اليوم يحذّر بقصيدته من نارِ الفتن التي تنهش جسد الأمة وتسعى الى فرض هويّـة غريبة عن هويتنا الثقافيّة وأصالتنا العربيّة الإسلامية.