تعقد «مؤسسة الفكر العربي» مؤتمرها الحادي عشر في مدينة دبي في 26 و27 الجاري، بعنوان يتناسب مع التحوّلات التي يشهدها العالم العربي، والأزمات التي تعيشها حكومات العالم نتيجة الركود الاقتصادي: «المواطن والحكومات: رؤية مستقبلية».
يجمع المؤتمر عدداً كبيراً من الأكاديميين والمثقفين والمفكرين ورجال السياسة، ليتبادلوا الآراء ويستشرفوا آفاق المستقبل، وهذه المرة حول تصحيح العلاقة بين المواطن وحكومته، بما يضمن تحويل الحكومة من مركز «سلطة» إلى مركز «خدمة». وبغية ألقاء الضوء على مؤتمر «فكر 11» التقت «الحياة» الأمين العام المساعد والمدير التنفيذي لمؤتمر «فكر»، حمد العماري.
عن عنوان المؤتمر السنوي الحادي عشر «المواطن والحكومات: رؤية مستقبلية» وكيفية اختياره يقول العماري: «تم اختيار هذا العنوان انطلاقاً من إيماننا بأهمية العلاقة بين الحكومة والمواطن في هذه المرحلة بالذات. والأهمية تتأتّى من تبدّل وسائل التواصل والاتصال بين المواطن والحكومات التي بات لديها المقدرة على تقديم خدمات أفضل لمواطنيها عبر استخدام التطور التكنولوجي ووسائل الاتصال الاجتماعي، فضلاً عن أنّ المواطن صار بإمكانه رفع مطالبه وإيصال صوته إلى حكومته عبر هذه الوسائل أيضاً. ونحن لا نتكلم هنا عن العالم العربي فقط، بل وعن مواطني العالم أجمع وحكوماته. من دون أن ننسى أن العالم العربي يمر في مرحلة «مخاض»، وهذا يدعو إلى التوقف قليلاً، والتأمّل في هذه العلاقة من أجل استشراف سبل تطويرها بما يخدم المواطن والمواطنة، من منطلق أن المواطن عليه واجبات وله حقوق، كما هي حال الحكومات. ونحن في المؤسسة، نؤمّن المساحة أو بالأحرى المكان والزمان للمثقفين والمفكرين وذوي الخبرات والقدرات لكي يتناقشوا في مواضيع الساعة. ونحن نرى أن مجرّد القيام بهذا الحوار البنّاء والنقاش الصريح والحقيقي والمسؤول تحت سقف من الحرية المسؤولة، هو أمر في غاية الأهمية وهو أيضاً ذو فائدة، خصوصاً في الوقت الحاضر.
نحن نطرح أسئلة ونفسح المجال أمام المشاركين في المؤتمر كي يحاولوا أن يجيبوا عليها. وما نتداوله في المؤتمر يُعرض دائماً على الحضور، ومن ثم يُنشر في الصحف ووسائل الإعلام وعلى مواقع الإنترنت ومنها مواقع مؤسسة الفكر العربي الإلكترونية، وبالتالي تصبح المداولات والنقاشات ومحاولات تقديم الإجابات في متناول المواطنين والحكومات على حد سواء. ونحن نتمنى أن يستفيد منها الطرفان من أجل تعزيز العلاقة بينهما وتطويرها لمصلحة بناء الدول الحديثة والعصرية.
ونحن متأكدون من أن ما نفعله له تأثيره الإيجابي بطبيعة الحال، لأنّ مجرّد النقاش واجتماع هذا اللفيف من المختصين والمثقفين والمفكرين العرب والأجانب ولقائهم في مكان واحد، كما سبق وذكرت، لا بد من يعطي نتائجه على مجمل الموضوعات التي تناقَش والتي قد تكون عبارة عن مشكلات بسيطة يحتاج حلها إلى عرض آراء وتجارب مختلفة».
مساحة شبابية
من الواضح أن برنامج المؤتمر يُشير إلى أنّ هناك توجهاً لمنح الشباب مساحة أوسع في مؤتمر «فكر 11»، من خلال ورش العمل أو «مقهى الشباب» وجلسة «فكر وأفكار» وغيرها. وهذا يؤكد رهان المؤسسة على عنصر الشباب في العالم العربي. عن هذا الرهان يقول: «إن نسبة الشباب (الفئة العمرية) في العالم العربي تتجاوز 70 في المئة من مجمل عدد السكان. لذا، فإن أي تهميش لعنصر الشباب يعني تهميشاً للشريحة الأكبر من المواطنين العرب. هذا إضافة إلى أنّ المؤسسة، منذ تأسيسها، حرصت على أن تكون شريكة للشباب عبر مشاريعها، فلم تتجاهلهم في أي من نشاطاتها. وفي السنوات الأخيرة تم التركيز على إشراك الشباب في المؤتمرات تحديداً لأسباب كثيرة ليس آخرها أن الشباب العربي أبدى قدرة كبيرة على الحراك وعلى استخدام كل الوسائل لإيصال رأيه للمعنيين. وسيتضمن مؤتمر السنة المقبلة برنامجاً خاصاً بالشباب، والهدف من هذا البرنامج هو إشراك الشباب في نشاطات المؤسسة وأعمالها وأهدافها وإفساح المجال أمامهم للتعبير عن آرائهم وتطلعاتهم واندفاعهم وتحفظاتهم ليكونوا جزءاً من هذا الفكر العربي، وليتحوّلوا إلى جزء فاعل في مجتمعاتهم. فالمستقبل الواعد يُبنى على أكتاف هؤلاء الشباب».
مراقبة الظواهر
لعل التحوّلات التي يشهدها العالم العربي والتي تسمى «الربيع العربي» تصب في مصلحة تقدُّم «الفكر العربي» وهذا ما تطمح إليه المؤسسة وتجاهر به. عن علاقة المؤسسة بهذه التحولات والطموح الذي تحمله يتحدث العماري قائلاً: «مؤسسة الفكر العربي لا تتبنى أي موقف من الأحــــداث والتحوّلات، إنها مؤسسة تعنى بالثقافة والفكــــر، وبمراقبة الظواهر وتحليلها. ولكن، برأيي الشخصي، أرى أنّ أي حراك فكري هو لمصلحة الأمة. نحن ضد العنف ولا نتمنّى إلّا الخير والسلام للمواطنين العرب. ولكنّ ما نتمناه أيضاً هو أن يرتفــع سقف الحرية، وأن يجرى حوار – بكل الوسائل المتاحة – (مباشرة أو غير مباشرة) لكي يمنح الفرصة لجميع فئات المجتمع، من رجال ونساء وشبان وفتيات، لإبداء آرائهم بطريقة حضارية مسؤولة، على أمل أن ينتهي مثل هذا الحــوار بنتائج ملموسة فيها كل الخير للجميع، مواطنين وحكومات على اختلاف انتماءاتهم وفئاتهم الثقافية والفكرية والطبقية والعمرية».
في إطار «الشفافية» – وهذه إحدى موضوعات مؤتمر «فكر 11» – هناك من يتساءل عن مصادر تمويل مؤتمر مؤسسة الفكر العربي، وهو واحد من المؤتمرات العربية الضخمة. عن مصادر التمويل يقول: «مؤسسة الفكر العربي مؤسسة غير تجارية وغير حكومية. لدينا رعاة معروفون ومعلنون، المؤسسة نفسها تقدم ثلث التكاليف وتحصل على الثلثين من الرعاة. وإلى جانب الرعاة هناك رجال أعمال في مجلس الأمناء يقدمون الدعم للمؤسسة في شكل شخصي وفردي. وأكبر داعم للمؤسسة هو شركة البترول السعودية «أرامكو»، وشركة «المباني» وهي شركة مقاولات كبرى، وشركة «المرجان» وهي شركة تجارية كبيرة أيضاً. موازنة مؤتمرنا بضخامته وبأهميته أقل بكثير من موازنات بعض المؤتمرات التي تُعقد ولا يسمع بها أحد ولا يكون لها أي تأثير يذكر».
أما عن جائزة الإبداع العربي كيفية اختيار الفائزين وعن الجائزة المستحدثة لأفضل كتاب عربي يقول:
«جائزة الإبداع العربي هي الجائزة التي تمنحها المؤسسة سنوياً في سبع مجالات وهي: الإبداع العلمي، التقني والاقتصادي والمجتمعي والإعلامي والأدبي، والإبداع الفني. وثمّة جائزة جديدة تم استحداثها ابتداء من دورة هذا العام، وهي جائزة «أهم كتاب عربي». وينال الفائز بكل جائزة من هذه الجوائز مبلغ خمسين ألف دولار، إضافة إلى درع المؤسّسة التقديرية. أما قيمة جائزة «أهم كتاب» فتبلغ مئة ألف دولار. نحن نعلن عن مجالات الجائزة عبر وسائل الإعلام المختلفة ونطلب من المؤسسات والمنظمات والجمعيات والأفراد الترشح للحصول على الجائزة. ونطلب من أعضاء مجلس الإدارة والأمناء ترشيح من يرونه مناسباً. وعلى مدار السنة هناك لجان تنظر في هذه الطلبات وترشح من تجد فيه الشروط والمواصفات الجدية التي تجعله مستحقاً للجائزة. وترفع إلى مجلس الإدارة للاختيار بين هذه الترشيحات. أحياناً تحجب بعض هذه الجوائز لعدم وجود مرشحين حقيقيين لها، وأحياناً لا يتم الاتفاق داخل مجلس الإدارة على أسماء بعينها، حينها تخضع الأسماء للتصويت. إلّا أنّ طريقة الاختيار في شكل عام تتم بشفافية وبمهنية عالية، أما اللحظات الأصعب بالنسبة إلى القائمين على المؤسسة فهي حين تحجب جائزة من الجوائز، كما حصل هذه السنة، وكما أعلنا أمس في المؤتمر الصحافي، إذ تم حجب جائزتي الإبداع الأدبي والتقني، وكذلك جائزة أهم كتاب عربي. نشعر بالأسى في المؤسسة حين تحجب إحدى الجوائز لأننا نعتقد أن كفوئين كثراً في العالم العربي يستحقونها، وعلينا أن نعمل بجهد أكبر كي نجدهم، وعليهم أن يبذلوا جهداً أكبر كي يطلعونا على إبداعاتهم، على الأقل عبر ترشيح أنفسهم للجائزة».