حُلمٌ وأمل ووعد بالعمل تغلّفه البراءة وتغطيه الجرأة. فعندما تتشابك أحلام الطفولة بقيم الإنسانيّة السامية لا بدّ أن تكون النتيجة عملاً مفعمًا ببراءة الطفولة، ومشروعاً إنسانيًا صادقًا بريئًا لم يلوّثه حقد أو عنصرية، ولم تشبه قسوة البشرية.
هكذا بدأت حكاية "عطاء" التي رأت النور في البحرين بطريقة عفويّة فاجأت الآباء: قرّرت ثلاث أخوات بعمر الورود ياسمينا (12 سنة) ليلى (10 سنوات) ولينا(9 سنوات) تأسيس جمعيّة خيريّة تجمعهنّ، وأطلقن عليها اسم "عطاء"
الفكرة معبّرة وملهمة بقدر ما فيها من بساطة، وقد بدأت من خلال اهتمام الأخت الوسطى ليلى بقضايا عامة، فكانت قضية الحفاظ على الثروة السمكية نقطة البداية لمشروعها الجديد، وعندما كانت في سن الرابعة، وهي ترسم الصور حيث لم تكن تعرف الكتابة بعد. وقد طلبت من والدها كتابة القصّة وهي تملي عليه أحداثها. كانت القصّة طفوليّة بقدر ما هي عميقة، فقد تعاطفت ليلى مع ما تتعرّض له الأسماك من خطر وأذى جرّاء الصيد المبالغ فيه، إلّا أنّ تعاطفها لم يتوقّف عند هذه النقطة، بل أرادت أن تجد حلًّا لإنقاذ الأسماك وحماية الثروة السمكية، فكان الحل برأي الطفلة الصغيرة هو الصيد بتعقل والحفاظ على الثروة السمكية. وهنا كانت لحظة الإلهام الأولى.
أحسّت بعد أن هنّأها والداها أنّه بإمكانها تغيير العالم؛ فمن مساعدة الأسماك في قصّة خيالية، إلى مساعدة الأطفال في الصومال بجمع التبرعات، ومن الأطفال، الى الحيوانات التائهة، إلى العمال المهاجرين. هكذا بدأت مسيرة العطاء، وتكوّنت ملامح المشروع الجديد: جمعية "عطاء".
بدأت الأخوات الثلاث بإعداد الكيك والعصائر وبيعها في محيطهنّ السكني والمدرسي، فجمعن مبلغًا متواضعًا من المال، قدّمنه إلى جمعية حماية الوافدين الأجانب، مع وعد من الوالدين بمضاعفة أي مبلغ يجمعنه. وقد اختبرن فرحة العطاء حين رأين السعادة ظاهرة على وجوه من تبرّعن إليهن للمرّة الأولى، وقد كانوا من العمّال المهاجرين الذين يعيشون ظروفًا صعبة.
كان لطعم النجاح الأوّل أثراً محفّزاً في نفس ياسمينا وليلى ولينا اللواتي قرّرن اختيار قضيّة واحدة كلّ شهر، وبذل الجهود لجمع المساعدات التي تدعم قضيّتهن. وقد قمن بذلك كلّه بمساعدة والدتهنّ التي تقف دائماً بالقرب منهنّ، وتقوم بغرس القيم الإنسانية السامية المستمدّة من قيمنا الأصيلة و؟؟ الحضارية في نفوسهّن، ومساعدة الآخرين، بالإضافة إلى الرفق بالحيوان.
وهكذا مضت الفتيات المؤمنات الحالمات بحبّ الخير وتغيير العالم في مشروعهن، فاتّسعت مروحة القضايا التي قرّرن العمل من أجلها، وبدأن بجمع المال من أجل أطفال الصومال الواقعين في كمّاشة الحروب والمجاعة، في الشهر التالي جمعن مبلغاً أكبر من أجل فقراء الفيليبين، ومن ثمّ حماية أطفال أوغندا من مجرم الحرب كونو.
زرعت هذه المبادرة الفخر والسرور في نفوس أفراد العائلة والأقارب، كما أدخلت إلى قلوب الأصدقاء البهجة والإعجابً، فتحمّسوا لدعم "عطاء". وهكذا كان لا بدّ لفكرة الجمعيّة الخيّرة أن يُكتب لها النجاح وأن تبدأ مسيرتها الحقيقية.
والد الفتيات حمد بن عبدالله العمّاري (الأمين العام المساعد لمؤسّسة الفكر العربي) يبدي الحماسة والفخر لما تقوم به الأخوات الثلاث، ويعطي الفضل الأول لتوفيق الله وعناية أمّهن التي تتابع الكبيرة والصغيرة في حياتهن ويقول: "لدى ياسمينا الأخت الكبرى شخصية قيادية وهي ودودة محبّبة من الجميع تستطيع تنفيذ أعمالها بدقّة متناهيه، كما لا يمكن لمن يعرف ليلى أن يعتبرها طفلة عاديّة، فمنذ صغرها وهي قارئة نهمة وصاحبة فضول وذكاء حادّ، تهتمّ بقضايا عامّة كالبيئة والرفق بالحيوان والقضايا الإنسانية. وقد تمكّنت من نقل هذا الحبّ إلى أختها الصغرى لينا، التي ما لبثت أن اتّبعت خطوات ياسمينا وليلى بكلّ جرأة وحماس."
ويختم قائلاً: "هكذا يبدأ الحس بالمسؤوليّة الاجتماعيّة منذ الصغر، فكما انتقلت الفكرة من الوالدين الى الأبناء، آمل أن تنتشر من طفل إلى طفل في مدرستهنّ، وفي محيط أصدقائهن، إذ إنّ الأفكار الخيّرة مصيرها النجاح المحتّم، فكيف إن صدرت عن أطفال ما زالت أحلامهم ورديّة بريئة وإيمانهم بالقيم الإنسانية صادق وطاهر؟".