من سرق بريدي الإلكتروني؟

كم مرّة تصلكم تلك الرسائل الإلكترونيّة بأسماء أشخاص تعرفونهم، ولكنّ عنوانها ومحتواها غالباً ما يكون معنوناً "حالة طارئة" أو يتضمّن طلب إرسال أموال لأن الشخص عالق في بلد بعيد وتمّت سرقة محفظته وأوراقه الثبوتيّة وغيرها من الأعذار الغريبة لتحويل مبلغ من المال على أن يعيده لكم فور عودته إلى الوطن…أو كم مرّة تصلكم رسائل إلكترونية تطلب منكم زيارة موقع إلكترونيّ أو فتح ملفّ مرفق والاطّلاع على أخبار الأعمال والشركات الجديدة لصاحب البريد…

هذه الرسائل عادة ما تبدو غريبة سواء من عنوانها أو طريقة الكتابة أو محتوى الرسالة، فتُعرف مباشرة أنّها إمّا أن تكون تحوي على فايروس أو أن البريد الإلكتروني للشخص المُرسِل قد تعرّض للسطو مِن ما يُسمّى بالـ "هاكر"، وهم قطّاع طرق الإنترنت، حيث يكون المُرسِل منتحلاً لشخصيّة صاحب البريد. ولكنّني حذر بطبعي، وأعتبر نفسي متمرّساً لا بل خبيراً في مجال الإنترنت والبريد الإلكتروني، إذ ولجت عالم الإنترنت والبريد الإلكتروني منذ بدايات انتشارهما، وربّما كنتُ من أوائل الذين أنشأوا عنواناً بريديّاً من عشرات السنين. فخلال هذه السنوات، تعاملت مع المرسلين المزيّفين والرسائل التي تحمل الفيروسات بحذر شديد ولم أُخدع بها أبداً من قبل، كما حرصت على اختيار كلمات السرّ الصعبة والمعقّدة لتفادي أيّ اختراق لبريدي.

لكن يبدو أنّ هذا كلّه لم ينفع…فمؤخّراً، كنتُ ضحيّة اختراق لبريدي الإلكتروني ياهو "Yahoo"، حيث تمّت سرقة العناوين البريديّة الموجودة فيه كافّة، والتي كانت بمثابة "قاعدة البيانات" الخاصّة بي من علاقات ومعارف وأشخاص تعرّفت إليهم على مدى سنوات طويلة. ولم يكتف الـ "هاكر" بسرقة المعلومات والبيانات، بل قام بمحو جميع العناوين والرسائل الموجودة في عنواني وبريدي، فأصبح وكأنّه يُفتح ويُستخدم للمرّة الأولى.

ولم أدرِ بالأمر إلاّ بعد أن توافدت الاتّصالات والرسائل البريديّة إليّ تسأل ما الخطب وما الذي حصل لي…فيبدو أن صاحبنا بعد أن تمكّن من بريدي الإلكتروني، قام بإرسال بريد لجميع العناوين معنوناً "حالة طارئة"، مفاده أنّني في الهند وأحتاج مبلغاً من المال (بين 3 و8 آلاف دولار أمريكي من بريد إلى آخر) و أطلب بأن يتمّ تحويل المبلغ إلى عنوان في تايلند؛ على أن أشرح السبب وأعيد المال فور عودتي إلى الوطن.

لم أبالِ في بادئ الأمر، إذ عرفت أنّ بريدي قد تمّ اختراقه، وظننت أن إرسال تحذير للعناوين الإلكترونيّة سيكون كافياً. لكنّي عندما حاولت ذلك، اكتشفت أنّني فقدت جميع العناوين الإلكترونيّة بعد أن قام بمحوها، وبالتالي تعذّر عليّ ذلك.  فقمت بإرسال التحذير من بريدي الإلكتروني الخاص بالعمل وبريدي الآخر "Gmail" إلى العناوين المحفوظة عليهما.

لكنّ القصّة لم تنتهِ هنا…على الرغم من أن هناك عدداً من الأصدقاء الذين لم تمرّ عليهم الحيلة، فقاموا بالتواصل معه مدّعين تصديقه، في محاولة لمعرفة ماهيّته ومكان وجوده، ولاحظوا أنّه قام بانتحال شخصيّتي واسمي، وعمد إلى خلق بريد إلكتروني مشابه إلى حدّ كبير لبريدي من خلال تغيير حرف واحد فقد، يصعُب ملاحظته. تفاجأت بكمّ الاتّصالات الهاتفيّة التي تلقّيتها ولم أصدّق أن هناك أشخاصاً صدّقوا السالفة وأخذوا يتّصلون بي الواحد تلو الآخر للاطمئنان عليّ و"مساعدتي". وتطوّر الأمر وتوالت الاتّصالات والرسائل الإلكترونيّة على بريدي الآخر، ووصلت لحدّ الإزعاج لاضطراري للإجابة والردّ على الجميع لطمأنتهم أنّني بخير وأنّني موجود في بيروت حيث مكان عملي. وأحسست بكلّ ما للكلمة من معنى بانتهاك لخصوصيّتي، وإضاعة لوقتي إذ كنت أقضي اليوم والليل في الإجابة والردّ على المتّصلين ممّن وصلهم البريد وهم بالمئات.

لذلك حاولت أن أشتكي وأجد حلاً للمسألة، لأنّ الأمر تخطّى الحدود. حاولت طلب المساعدة من أشخاص مختّصين في قطاع الاتّصالات والتكنولوجيا، ولكنهم جميعهم عجزوا عن فعل أي شيء وقالوا إنّ كلّ ما يمكنني عمله هو تغيير كلمة السرّ والسؤال السرّي للبريد، والتأكّد من تغيير البريد الإلكتروني "الثانوي" الذي يُطلب منك عند فتح الحساب. وقد لفت نظري أحد الأصدقاء الخبراء أنّ الـ "هاكر" يكون قد غيّر هذا البريد الثانوي بالبريد المشابه لبريدي الذي أنشأه للتواصل مع العناوين التي سرقها من بريدي الأصلي، بحيث تصله جميع الرسائل التي يجيب الناس عليها، بدل أن تصل إليّ.

حتّى أنّني قمت بالاتّصال بخدمة تقديم الشكاوى في شركة "ياهو" نفسها، من خلال البريد الإلكتروني والاتّصال بمكتبهم في أمريكا. ولكن للأسف، يبدو التواصل معهم من سابع المستحيلات؛ فلم ألقَ أيّ ردّ على البريد، وكلّ ما أجابني به الموظّف بعد فترة اتصال وانتظار دامت أكثر من عشرين دقيقة على الهاتف، كان جوابه أنّه لا يستطيع المساعدة أو عمل أيّ شيء…

وإذ وجدت نفسي عاجزاً، حاولت أن أنسى وأن أقنع نفسي أنّه لا يمكنني عمل أيّ شيء، وما عليّ إلا انتظار أن يملّ السارق من محاولة غش أحد معارفي أو الاحتيال عليه، وألاّ يعود يلقى جواباً من أحد. وفي هذا الوقت، نصحني أحد الأصدقاء بعدم استخدام حساب "ياهو" لفترة من الزمن، حتى يكتفي السارق ويملّ، وينتقل لفريسته التالية.

ولكن بعد…

ما كدت أنسى الأمر وأتخطّاه، حتى تفاجأت بعد حوالى أسبوع باتّصال هاتفيّ من موظف في البنك الذي أتعامل معه، يودّ التأكّد من المعلومات قبل تحويل المبلغ الذي طلبت تحويله إلى رقم الحساب في تايلند! فصُدمت بالاتّصال وقلت لهم أتمنّى ألاّ يكون الأمر جدّياً لأنّني في لبنان ولم أطلب تحويل أي مبلغ من المال؛ وشرحت للموظف أنّه قد تمّ اختراق بريدي وهناك من ينتحل شخصيّتي ويتواصل مع العناوين التي كانت محفوظة في بريدي الإلكتروني. ولكنّ الموظّف لم يُصدّقني وظنّ أنّني أمزح وأعاد سؤالي عن اسمي وعن تفاصيل الحوالة التي طلبتها، وكرّرت إجابتي وناديته باسمه، إذ كنت أعرفه شخصيّاً، فأجابني "أنت تمزح!"…كان عليّ أن أكرّر وأعيد وأعطيه تفاصيل إضافيّة حتّى صدّقنّي أخيراً واستوعب ما حصل. قام السارق بالتواصل مع مدير البنك، إذ لاحظ من بريده الإلكتروني ومن رسائل سابقة أنّه المسؤول عن حسابي وكنت قد طلبت منه خدمات بنكية سابقة عبر البريد الإلكتروني…لكن الحمد لله، ومن حسن الحظّ، أنّه تمّ تدارك الأمر وإيقاف الحوالة في حينها..

ومؤخرا قام الهاكر بإرسال رسائل جديدة ومختلفة هذه المرة من البريد المزيف لمن لم يجب على طلبات المساعدة الأولى. وفي الرسالة البريدية الجديدة واصل من موقع فليكر يدعو القارئ لمشاهدة صور شخصية، و من يدفعه فضوله لرؤية الصور المزعومة على الموقع، تُسرق كلمة السر خاصته، لتبدأ معه سلسة من رسائل السرقة وانتحال الشخصية وطلب الإغاثة من جديد. 

جميعنا عرضة لانتهاكات كهذه؛ وبعد تجربتي هذه، كلّ ما يسعُني أن أنصحكم به هو أن تحفظوا دوريّاً العناوين التي لديكم في البريد الإلكتروني حتّى تتمكنوا من تحذير معارفكم عند الوقوع في شباك أحد الـ"الهاكرز". كما يُنصح بتغيير كلمات السر والمرور دوريّاً واستخدام أرقام وكلمات وعلامات متنوّعة فيها؛ كما يجب ألاّ يتمّ إدخال كلمات السرّ الخاصّة بكم عبر أي موقع مشبوه أو لا تثقون به. وحتّى يأتي يوم نحصل فيه على قوانين وسبل لملاحقة الجناة والسارقين والمنتهكين على الشبكة العنكبوتيّة، كلّ ما يمكننا فعله هو توخّي الحذر! فأسرارنا ومعلوماتنا كلّها أصبحت محفوظة هناك، وأيّ انتهاك في حساباتكم على الشبكة الإلكترونيّة هو انتهاك لخصوصيّتكم وأسراركم الشخصيّة…فتوخّوا الحذر!