يحتفل العالم اليوم 21 مارس بعيد الأمّهات…حفظهنّ الله أجمعين

لا يكفِ يوم واحد لتكريم الأمّهات؛  فكلّ يوم يجب أن يكون يومهنّ، ففضلهنّ كبير وعظيم لا ينكرْه جاحد، ولا يغفل عنه دين. فالرسول (صلعم) أوصى بالأمّ ثلاث مرّات قبل أن يوصيَ بالأب.

في هذا اليوم أتذكّر أمي (موزة بنت سالم بن سعيد الشامسي) العظيمة في قيَمها، البسيطة في نفسها. هي التي لم تتعلّم في المدارس، ورغم ذلك أدركت قدر العلم، فحفزّت أبناءها على مواصلة علمهم إلى ما لا نهاية. لم تدرس الدين أيضاً، لكنّها عاشت مبادئه السامية بكلّ حذافيرها. أحبّت الحياة بعد أن عاشت قسوتها، أكرمت الضيف بعد أن ذاقت مرارة الغربة، عاشت عزيزة النفس وماتت قريرة العين.

 

كتبت وداعاً لأمي التي فارقتنا قبل سنوات قليلة، ولكنّي لم أستطِع أن أقرأه مرّة ثانية، فكلّما حاولت، غالبتني الدموع، وشاكستني المشاعر…فقد توفيت رحمها الله، بعد أشهر من انتقالي للعمل في بيروت. أذكر يومها، وبينما كنت أشارك في عشاء لأحد الأصدقاء احتفالاً بزواجه، تلقيت اتصالاً هاتفيّاً من زوجتي، تخبرني فيه أن والدتي – يرحمها الله – مريضة، وأنّه يجب علي العودة في أسرع وقت ممكن. عرفت حينها أن الله قد اصطفاها بقربه، رغم محاولات زوجتي بإخفاء الأمر عنّي.

أجريت اتّصالاتي حينها لألحق بأول رحلة للعودة لمدينة الدمام، لأودّع أمّي الوداع الأخير؛ ولم أجد حينها حجزاً سوى عن طريق الخطوط القطرية في الساعة الرابعة صباحاً. فأكملت حفل عشاء صديقي دون أن أخبر أحد، أو يشعر أحد بما حصل، فلم أرد أن أخرّب الفرحة بخبر وفاة عزيزتي. كانت الساعات طويلة ومرّت ببطء شديد وأنا في انتظار موعد الرحلة. كنت خلالها أستذكر أمي العزيزة ولحظات الطفولة بين أحضانها الدافئة، مروراً برحلتي معها للحج، عندما اختارتني دون اخوتي أن اكون رفيقها بالحج لمكّة المكرمة، وكنت وقتها في الثامنة عشر من العمر. وتذكرت أيضاً حين رافقتني وعائلتي في الإجازة السنوية، والأوقات السعيدة التي قضيناها خلال الرحلة.

وصلت لمنزل أختي أخيراً في تمام الساعة التاسعة صباحاً، حيث كانت والدتي ترقد على سريرها مغطاةً بأحرام الصلاة الذي كانت ترتديه عند وفاتها. فقد توفيت رحمها الله وهي تصلّي صلاة العشاء، بعد أن أجلستها الممرّضة على الكرسي المتحرك وأدارتها للقبلة، وكانت في سنّيها الأخيرة قد أعياها المرض ولا تستطيع الحركة دون مساعدة. وكانت تصلّي عندما لاحظت الممرضة أن رأسها منخفض لفترة طويلة، ولم يتحرّك؛ فظنّت أولاً أنّها في وضع السجود وربما الدعاء؛ ولكن بعد أن طال الوقت وهي على هذه الحالة، رفعت الممرّضة رأسها لتجدها دون حراك، وقد علا وجهها ابتسامةً، فحاولت جسّ نبضها، لكنّها كانت قد فارقت الحياة. وقد بقيت جثّتها في نفس  الوضعيّة على السرير، يداها الطاهرتان على بطنها وكأنّها مسجّاه للصلاة والابتسامة تعلو محيّاها.

حين دخلت الى غرفتها وأزلت الغطاء عنها، كنت أبكي لوعة فراق الابن عن أمّه…ولكن عندما كشفت عن وجهها لأودّعها الوداع الأخير، وإذ رأيت تلك الابتسامة تعلو وجهها، فبدت وكأنّها نائمة تحلم بأشياء سعيدة، توقّفت عن البكاء وأيقنت أن الله أراد لها حسن الختام. قبلت وجنتيها ويديها و قدميها، وأعدت الغطاء على وجهها الذي ودّعته للمرّة الأخيرة؟

لم أبكِها يومها لأنّها بوجهها المبتسم الذي غادرتنا به، لم تسمح لدموعنا أن تُذرف عليها، وكأنّها أرادتنا ألاّ نبكيها، ولم تُرد أن ترى دموعنا فكأنها تقول سوف اذهب للقاء ربي مطمئنة البال وقد أديت رسالتي في دنيا الفناء.  ومنذ ذلك الحين، وأنا أحاول أن أبكيها، ولكنّي لا أقدر سوى أن أتذكّرها مبتسمة كما كانت دوماً حتى يوم الفراق.

وداعاً يا أمي، ستبقين بذكراك الجميلة المبتسمة دوماً في قلوبنا. واليوم في عيدك، أسأل الله أن يرحمك الله ويسكنك وجدّتي مريم بنت سعيد الشامسي الحبيبة فسيح جنّاته، وأدعو الله لكم بالمغفرة ولوالدي الشيخ عبدالله العماري يرحمكم الله جميعاً.