حمد العماري
عندما قرأت تعليق أحد الإخوان الشباب من فلسطين والمشترك معنا في مؤتمر فكر9 تذكرت وكما يُقال باللغة الأجنبيّة “Déjà vu” نفسي عندما كنت أكتب مقالاً للنشرة الأسبوعيّة لفكر وغزّة تجسم تحت الإحتلال والقصف الإسرائيلي الأثيم. يومها عجز قلمي عن النظق في الثقافة والفكر وسطّر حروفاً من دم قلبي الذي بكى قبل عينيّ وأنا أرى إخوتي في فلسطين الحبيبة يعانون تحت قنابل القصف المعتدي الأثيم.
يومها كتبت ما يشبه الإعتذار عن مقالي الأسبوعي.
واليوم أجد نفسي في الموقف عينه إذ أرى القدس بين قبضتيّ محتلّ يقرض أطرافها كلّ يوم وبلا رحمة.
وأنا أحتاج لوقفة لأفكّر قبل أن أسترسل…ماذ أستطيع أن أفعل؟
هل تريدون جواباً مطوّلاً أو تكتفي بإجابةٍ سريعة؟
الإجابة السريعة هي: القليل
أمّا الإجابة المفصّلة هي: القليل منك ومنّي ومن العديد من الشباب العربي….يساوي الكثير.
ويبقى السؤال: من أين نبدأ؟
اسمحوا لي أن أعود قليلاً إلى الوراء وأن كنت أشدّ من يُعارض التطلّع إلى الوراء. ولكن إذا كنّا نريد أن نبنيَ مستقبلاً واعداً فلا بدّ أن أنظر إلى التجارب الناجحة ونسبر أغوار تراثنا وثقافتنا العربيّة والإسلاميّة قليلاً.
عندما أوتيَ الوحي على الرسول صلّى الله عليه وسلّم كانت أول رسالة “إقرأ!”. وعندما خطب عليه أفضل الصلاة والسلام في خطبة الوداع قال “إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق”
فلنتوقّف قليلاً ما بين أول رسالة وصلت للرسول وآخر رسالة اوصلها الرسول.
الله عزّ وجلّ عندما أمر الإنسان العربي في أول رسالة أمره بالقراءة والتسلّح بالعِلم – نعم بالعِلم والمعرفة اللذين كانا سلاح الماضي وهما سلاح الحاضر وسيبقيان سلاح المستقبل! وحين نفقد هذا السلاح نفقدنا معه دورنا الريادي والقيادي.
لننظر إلى اليهود الذي عرفوا ومنذ فترة طويلة – وربّما لكونهم أقليّة – قيمة هذا السلاح وأجادوا استعماله. فكم من عالِم وطبيب وباحث عالميّ يهودي؟! وكم من عربيّ بالمقابل؟ إذا مجرّد المقارنة تُخجل لا بل تُخيف!
إذاً فلنبادر لأخذ العبرة من تراثنا وحاضرنا ولتكن عبرة لمستقبلنا لكي نبنيَ وننمّي العمل العربي المشترك من أجل إعلاء شأن أمّتنا العربيّة.
نحن أمام هذا التحدّي التاريخي وما بيَدنا سوى سلاح العلم والمعرفة. فلنتسلّح إذاً لنتمكّن من وضع وطننا العربي في موقعه على الخارطة العالميّة، يكون فيه وطن عربيّ متقدّم يحفظ حقوق الإنسان ويرعى الإختلاف في الرأي والحريّة الفكريّة والدينيّة ويناهض كافّة أشكال العنصريّة.
نعم هذا هو الحلم في رأيي المتواضع للنهوض بالأمّة واسترداد حقوقها المشروعة وأرضها المغتصبة. فإمّا الأخذ به أو القبوع في المؤخّرة حيث نجترّ ماضٍ مضى وحاضرٍ قضى…
أشبّه نفسي اليوم بطبيب جرّاح أمام طفل صغير يحتاج علاجاً لقلبه الصغير. فلا بدّ أن يضع المشرط ويقطع جسده البريء ليتمكّن من الوصول لموضع المرض وعلاجه. كم هو صعب الخيار الذي يجد الجرّاح نفسه أمامه كلّ يوم. ولكن هذا الجرّاح يتغاضى عن أحاسيسه ويمسك المشرط ليقطع ، وهو يثق ويُدرك أنّ عليه أن يضع أحاسيسه خلفه ليتمكّن من إنقاذ الطفل الذي بين يديه، واضعاً نُصب عينيه هدفاً واضحاً وهو يصبّ جهده ووقته وتركيزه وتفكيره على كيفيّة إنقاذ الطفل.
أمّتنا العربية هي كذلك الطفل…تُحتضر بين أيدي شبابنا…فلا بدّ لنا أن نبادر لإنقاذها تاركين وراءنا الأحاسيس والمشاعر الجيّاشة التي تُعمي بصيرتنا وتغفلنا عن هدفنا وتضلّنا عن طريق إنقاذ وطننا العربي دون الوقوع في فخّ التطبيل بالدمّ والروح فداءً لزعيم أو قائد…فلن يُجدينا أن نفدي أرواحنا بل حريّ بنا أن نحيا – متسلّحين بسلاح العلم والمعرفة – لتحيا بنا أمّتنا العربيّة.